(تفخة العشر) هي الثمرة وتسمى (الخرفع)
مما يروى في الحكايات الشعبية (السباحين) ان امرأة هجرها زوجها بعد ان تزوج بغيرها واخذ ما لديها من اوان وادوات الطبخ ليعطيها الزوجة الثانية، ولما طال هجر الزوج لزوجته الاولى ذهبت الى شجرة عشر وجلست تحتها تندب حظها وتستنجد قائلة: " جن العشرة، هو من خطركم يخطر، قشي غدا وابو عيالي تنكر، وابو عيالي يا النشاما فقيدة). والخاطر هو الزائر او الضيف، وتقصد بقشي: ادواتها وآنيتها.
وتخلص القصة - فيما سمعته من كبار في السن - الى ان طلب المرأة حرك (شهامة مزعومة في جني) اتخذ من الشجرة مسكناً له، فتلبس بزوجها ورفض الخروج حتى ارغمه على العودة الى زوجته الاولى ومعه ادوات الطبخ!
هذه الحكاية (الطريفة) تفسر لنا سر خرافة تسمية شجرة العشر باسم شجرة الجن، حيث كان لدى سكان بعض مناطق شبه الجزيرة العربية اعتقاد (غريب) فحواه ان اشجار العشر مساكن للجن. ولا زالت هناك ترسبات عند بعض كبار السن حيث يخشون المرور بجانبها ويحذرون من الاقتراب منها فبزعمهم ان فيها (سكناً) اي جن. وهذا الزعم موجود قديماً بصيغة اخرى في عصر ما قبل الإسلام اذ ثمة اعتقاد بأن احراق اعواد من شجر العشر يجلب الجن بينما يؤدي احراق اعواد من شجيرة الحرمل الى طردهم.
وبعيد عن هذه الخرافات فإن العشر - التي تنطلق بالعامية بتسكين العين بينما تضم بالفصحى - شجرة صحراوية معمرة منتشرة في معظم مناطق المملكة البرية واحياناً في المساحات الفضاء في المدن والقرى، ويصل ارتفاعها الى خمسة امتار تقريباً وتتميز بأوراق عريضة مستديمة الاخضرار وازهار جميلة الشكل، وبداخلها عصارة لبنية تخرج بمجرد هز النبتة او قطع جزء منها، وهذه العصارة هي سم خطير التأثير على الانسان والحيوان.
ولا يستفاد - غالباً - من العشر ولذلك يقال في الامثال الشعبية عن الرجل الذي يتميز بجمال الهيئة وسوء المخبر: (فلان خضرة عشر)
وفي ذلك قال الشاعر عبدالله بن سبيل (توفي عام 1352ه):
وخطوى الولد رجم على غير حله
لو جاز لك مبناه برق بساسه
خضرة عشر ما هو على شوفة له
يزوم روحه وا حسايف لباسه
وقريب من معنى المثل مثل آخر فيقال (فلان تفخة عشر) والمقصود بالتفخة ثمرة العشر التي تسمى الخرفع وهي بيضاوية الشكل خضراء مشابهة لشكل فاكهة المانجو واكبر منها قليلاً، وتبدو للناظر صلبة لكنها في الحقيقة شبه مجوفة.
وقد ورد في بعض كتب التراث العربي معلومات غير صحيحة فندتها موسوعة الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية مثل قولهم ان شجرة العشر تقتل الجالس في ظلها والاسوأ من هذا القول الادعاء بأن استخدام بعض مكوناتها مفيد في حدة البصر ونافع لللمعدة والمثانة والكبد والكلى.
والى وقت قريب كان سكان بادية نجد يستخدمون المادة اللبنية التي تخرج من العشر في علاج اوجاع الاسنان والآذان وتقرحات الجلد وعلاج جرب الماشية رغم انهم يستعلمون تلك المادة في تسميم رؤوس الرماح. وسبحان ملهم الحيوان فالماشية لا تقرب شجرة العشر ولا تأكل اوراقها إلا إذا جفت تماماً. ولكي تتصور عزيزي القارئ قوة تأثير المادة اللبنية وخطرها يكفي ان تعرف انها كانت تستخدم في ازالة الشعر والصوف من جلد الحيوانات لتسهيل عملية دباغته والاستفادة منه في تصنيع القرب والاحذية ونحوها.
ويزداد في مثل هذه الايام خروج الاسر الى اطراف المدن والقرى في رحلات برية للتنزه والترويح عن النفس، وقد يعبث الاطفال في غفلة من رب الأسرة بشجر العشر وربما يدفعهم حب الاستطلاع الى تكسير اغصانها مما يؤدي الى خروج المادة اللبنية التي لا تحتاج الا الى هزة بسيطة لتتناثر وقد تصيب العين وهنا مكمن الخطر. ولهذا سيكون مناسباً ذكر تفاصيل خبر ورد في صحيفة "الرياض" قبل اكثر من عامين نشرته في عددها رقم 13450بتاريخ 12ربيع الاول 1426ه. والخبر عبارة عن تحذير اطلقه استاذ في كلية الطب عضو في الجمعية السعودية لطب العيون هو الدكتور هاني بن صالح المزيني وملخصه ان هذا الطبيب أفاد بعد حضوره مؤتمر عالمي لطب العيون القيت فيه محاضرة تتناول كشفاً علمياً يقول ان المادة اللبنية التي تخرج من شجر العشر اذا وصلت عين الانسان فإنها تؤثر سلباً على قرنية العين، وقد تبين ذلك من ثلاث حالات راجعت طوارئ مستشفيات للعيون وتشكي من ضعف مفاجئ في النظر نتج من تناثر المادة اللبنية من شجرة العشر ووصولها الى حدقة العين اثناء كسر احد اغصانها من باب العبث في الحالة الاولى بينما نتج الضرر في الحالة الثانية من استخدام المريض للمادة اللبنية لمعالجة حب الشباب، اما الحالة الثالثة فنتجت عن استخدام المريض لعلاج عينه ضد الحساسية. وقد اثبتت التحاليل والصور وفقاً لتوضيح المزيني التأثير السلبي على حدقة العين من جراء ملامستها لهذه المادة السامة وترتب على ذلك التهاب القرنية الذي يسبب غشاوة على العين ويحد من مجال الرؤية كما يمتد تأثير هذه المادة الى خلايا القرنية الداخلية فتتلف تلفاً غير قابل للتعويض ما يقارب 50% من الخلايا