لقد درج كثير من الناس مع تكاثر النعم والحمد الله على إطلاق يده في المأكولات والمشروبات دونما حساب حتى يثقل بدنه وترتهش بطنه وتترهل ، وتثقل أنفاسه وتقل حركته ، جاهلا أو متناسيا وصف المؤمن الحق الذي يريد له الإسلام أن يكون قنوعا بالقليل مخشوشنا في طعامه وشرابه ، مقتصدا فيهما مشاركا إخوانه المسلمين فيهما خفيف الجسم متهيئ لأداء ما فرض عليه من الصلاة والصيام والجهاد وكسب قوته وقوت عياله وهذه الأمور الهامة تؤثر البطنة أيمّا تأثير في حيوية أدائها وتجعل الإنسان قاصرا عمّا خلـق له أو يراد له . ومن العجيب هنا أن ترى من يفاخر الناس ببطنته مطبطبا عليها يرى أنها دليل الشّبع والغنى أو دليل على الرزانة وربما نطح بها أحدهم ليدل على بطره وشدة بأسه .
يقول الله سبحانه في كتابه العزيز (( والذين كفروا يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم )) فجعل كثرة الأكل والتمتع به من صفات الكفار وشبههم في ذلك بالأنعام ( البهائم ) التي تسيم وترتع أكثر من حاجتها أو تتناول ما فيه تلفها وضررها دونما إدراك.
وقال تعالى (( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين )) ففي هذه الآية أيضا تجد أن السّرف في تناول المطعومات والمشروبات من الأمور التي لا يحب الله المتصفين بها .
وفي الحديث : (( ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه بحسب امرئ لقيمات يقمن صلبه فإن كان لابد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )) وقال صلى الله عليه وسلم ضمن حديث آخر يصف فيه قوم من شرار أمته يأتون في آخر الزمان (( ويظهر فيهم السمن ))
كما أنه صلى الله عليه وسلم وصف أكل المؤمن وأكل المنافق فقال بما معناه (( إن المؤمن يأكل من معي واحد والمنافق يأكل من سبعة أمعاء ، ومن الآثار المشهورة في هذا (( المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء )) وقديما قالت العرب : إذا ظهرت البطنة ذهبت الفطنة ، فلو استحضر المسلم هذه النصوص الشرعية وتأملها لعلم خطر البطنة على دينه وصحته ومظهره العام .
فمن أبرز أضرارها الدينية : أنها تحمل الإنسان أحيانا على الشّره والطمع فيما تحت يد الآخرين من مال أو طعام ، كما أنها ضد القناعة التي تعتبر من أهم صفات المؤمن ، إضافة لما يترتب عليها من كسل في الواجبات الدينية ، والأسرية من رعاية وكسب للقمة العيش .
أما من النّاحية الطبية فقد اتفق الكثير من الأطباء قديما وحديثا على جملة من أضرارها الجسام ورأوا أنها الدّاء الدّوي المهلك لصاحبه دون شفقة وذلك لما تسببه ويترتب عليها من علل أشهرها : الضغط والسكري وحموضة الدم وخشونة المفاصل والقالون وقرحة المعدة والجلطات الدماغية والقلبية والجلطات الدموية في الأرجل والضعف العام و الضّعف الجنسي وفقدان الحيوية والنشاط إلى غير ذلك من الأمراض الأضرار البالغة.
أما من ناحية المظهر فتجد أغلب من كانت هذه صفته كما تذكر بعض الدّراسات النّفسية ثقيل الظّل كبدنه تماما قليل العلاقات الاجتماعية ينفر الناس منه ، وتراه دائما يعاني في اقتناء مأكله ومشربه وملبسه ، وإذا أراد الخطبة رفضته أغلب من يتقدم إليهن من الفتيات لعدم استلطاف شكله في نظرهن .
فحري بمن كان له عقل أن يتخفف في طعامه وشرابه وأن لا يكون عبد بطنه ورهن يده المتطفلة على كل مطعوم ومشروب وأن يلبس ثوب القناعة فيما يحيط به من ملذات الدنيا حتى لا تطغيه وتبعده عن جادة الصواب .