وة اجتباء أو انتهاك
"خواطر إيمانية"
إن في الخلوة لأسرار لو تفرغ المرءُ لِلَحْظِها لَبانَ لهُ مالمْ يَكُن بِحُسْبانِه ،
إذ أنَّ العبدَ المنْتَبِهَ الذي يقف على باب قلبِه يحتاجُها دوماً ،
بحيث أن تكون الخلوة باختياره فيخلو في داره ولو لدُقيْقات بسيطة ،
وإما أن تكون بغير كسبٍ منه ،
كأن يأتيه سفر أو حبس أو غير ذلك ،
وفي كِلا الحالتين خير ،
فالأولى يُحَصِّلُها دوْماً ،
والأُخرى غائبةٌ عنه في الأغلب فلا يدْري متى تحصل له .
لذا لا بد لنا من تسليط بعض الإضاءات على الخلوة الأولى التي يستطيع العبد أن يحسم قراره بها بعد توفيق الله ،
فإن وفق لها فإنها تكون أحد أمرين :
إما أن تكون سبباً لقرب العبد من ربه ،
وإما أن تكون سبباً لمقته ،
وذلك أن المعاصي بين أهل الإسلام الذين مازال فيهم بقية حياء تكون أكثرها في الخلوات ،
وقد يكون أهلها من الذين يُجَمِّلون ظواهرهم بالتقوى الزائفة وفي الخلوات قد هتكوا محارم رب البريات !!!
وهذا مصداق ما أخبرنا به الصادق عليه الصلاة والسلام عن بيان حالهم ، وعن نهاية مآلهم ،
فيما رواه ابن ماجة وصححه الألباني رحمه الله من حديث ثوبان رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم :
" لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله هباءً منثوراً ،
قال ثوبان : صفهم لنا جَلِّهم لنا يا رسول الله أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم ،
فقال صلى الله عليه وسلم :
ألا إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قومٌ إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ".
أنظر يرعاك الله كيف كانت الخلوة سبباً لإيراد صاحبها في المهالك ، فما هو العلاج يا ترى لصاحب هذه الحال ؟
لاشك أن الله ما أنزل من داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله .
أولاً: إن أعظم ما يُبرئُ صاحب هذا المرض :
" دراسة أسماء الله وصفاته "
فهذا يحمله على أن يشاهد قلبُهُ سمع الله وبصره ،
وإحاطته ومعيته وعلمه وقربه ،
وغير ذلك من مقتضى أسماء الله وصفاته ،
ليتحقق له بهذه الدراسة والعلم مقام الخشية والله تعالى يقول :
{إنما يخشى الله من عباده العلماء}
وقد قيل :
" كُلَّما كانَ العبْدُ لله أعرفْ كان لهُ أخْوف "
ثانياً : أن يقللَ قدْرَ الإمكان مواطن الخلوة ما لم يكن واثقاً من نفسه متمكناً منها ،
وقد قال صلى الله عليه وسلم :
"نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ "
رواه البخاري رحمه الله في كتاب الرقاق من صحيحه.
ثالثاً : فإن ثمة نصيحة جانبية تَخُصُّ النساء حيال أزواجهن ،
إذا ما شعرن من رجالهن ميلاً إلى الإنتهاك في الخلوات ،
أقول :
فإن عليكن واجباً عظيماً تجاه بعولتِكن ،
وسأشيرُ بعض الإشارات تستفدن منها لاستدراك الأمر.
أولاً : أختاه إعلمي أن نبيك صلى الله عليه وسلم ما كان يواجه أحداً بما يكره وكان يستل الأمراض من نفوس أصحابه بـ
" مابال أقوام يفعلون كذا وكذا "
كذلك أختاه عليك بالستْر وإن أعياكِ أمرٌ أو خطْبٌ فاستشيري المأمونين ،
وإن أمكنك أن تَبْقيْ مجهولةَ العيْن عن المُستشار فافعلي ،
والوسائل متاحة كالهاتف مثلاً أو غيره ،
وبهذا يبقى زوجك مجهول العين كذلك ،
وفي هذا صيانة لأسرار مملكتك ،
وإياك أن تري زوجك أنك تعلمين هتكهُ بل تظاهري التغافل وقد قيل قديماً :
ليس الغبي بسيدٍ في قومه ،،،،إنما سيد القوم المتغابي
وضعي نصب عينيك خَلاصَهُ مما هو فيه بطريقة لا تتكبدين فيها الخسائر،
فكلما أحجمتي من تكبد خسائر كلما كنتِ أكثر غيظاً لعدوك ،
وكلما توسعت الخسائر كلما زادت الغلبة لعدو الله وعدوك قال تعالى :
{ إن الشيطان لكم عدو مبين }
كذلك أيتها المباركة فإن الله قد أودع فيك من النعم التي لا تحصى ،
فها هُم الكاسيات العاريات المائلات المميلات يستعملنها في إغواء الرجال الأجانب ويكسبن الخطايا في كل خطوة يخطينها ويُلعنّ ،
فهؤلاء من اللواتي لم يُرَهُن رسول الله من شدة عذابهن .
أما أنت أيتها العفيفة الطاهرة فإنك تستعملين ذلك في إرضاء الله تتحببين إلى بعلك وتتزينين له لتعُفي وتعِفي ،
فإذا كان زوجك هو هذا المبتلى الذي نتكلم عنه فانفضي الغبار عن سلاحك الذي وهبكيه الله فقد قال عنكن عليه الصلاة والسلام:
" مارأيتُ أذهب للب الرجل الحازم منكن "
واعلمي
أن في جعبتك الكثير الكثير من صنوف السلاح فالغناج والتودد والإطراء
والتزين والنظافة والتطيب والدلال وغير ذلك وما تركناه أضعاف أضعاف
ماذكرناه ،
" وإن اللبيب من الإشارة يفهم " ..
وإياك والعجز أو أن يوهمك الشيطان أنك لم تعودي المناسبة لزوجك ،
بالله كم عانى وقبَّلَ الأيادي ليحصلك زوجة له !
آلآن تظنين أنه لا يحبك ،
ليست هذه هي المشكلة ،
المشكلة كلها أنك تركتِ سلاحك والإلفة استحكمت فيكِ ،
فجددي وتجددي وتألقي ،
واحتسبي الأجر في كل ذلك عند الله ،
وستنالين سعادة الدنيا والآخرة بإذن الله .
أما أنت أيها المبتلى فها أنذا أعود إليك !
بعد أن حاولت أن أقطع عليك كل الأعذار أو أهمَّها لأنصحك وأحذِّرك مغبة الهتْكِ ووبالَه ،
فأنت الخاسر الأكبر أكُنْتَ تَظُنُّ أنها لذة وانقضت ؟!!
لا والله ،
ووالله إن كُنْتَ ذا لُبًّ لأَرْجَعَتْكَ آثارُها إلى مولاك ،
ألم تتجرع نفسك الضنك ألم تعتريك قلة التوفيق ؟
ألم تمض السنون من عمرك من غير فائدة مرجوة ؟
وغير ذلك الكثير مما أنت أعلم به ؟
قال الله تعالى :
{ بل الإنسان على نفسه بصيرة }
لذا أنصحك يا أخا الإسلام أن تتوب إلى علام الغيوب ،
فإنه رب واسع المغفرة لو أتيته بقراب الأرض خطايا واستغفرته لغفر لك ،
وإياك والقنوط واليأس ،
وأنصحك أيضاً بملازمة الأخيار فقد قال عليه الصلاة والسلام :
" المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل "
واعلم يرحمك الله أنني أخرت الكلام عن الذين كانت الخلوات سبباً لاجتبائهم لسبب واحد :
" ألا وهو أني أخالك الآن منهم "
هؤلاء الذين كانت الخلوات غذاء روحهم ،
لِمَ لا وقد شغلوها بالتدبر والتفكر والذكر والتذلل والعلم ،
" هؤلاء الذين يحبهم الله "
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي"
أخرجه مسلم .
هؤلاء الذين خلوا بذكر محْبوبهم ففاضت أعينهم فكوفئُوا بالنجاة من النيران وأن يظلهم بظله الرحمن ،
قال صلى الله عليه وسلم :
في السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم :
" رجل ذكر الله خالياَ ففاضت عيناه "
فانظر يرحمك الله كيف كانت الخلوة سبباَ لاجتبائهم وما ذلك إلا أنهم عزّوا على الله فعصمهم ،
والهتّاكون هانوا عليه فعصوه .
فأسأل الله أن يصلح سريرتنا وعلانيتنا
ويملأ قلوبنا بتوحيده وعظمته وخشيته
إنه ولي ذلك والقادر عليه،
وما قل وكفى خير مما كثر وألهى ،
هذه خواطرنا صَيَّدْنَاها لكُم
وعباراتنا قيَّدْناها لكُم
فكم من خاطرة وردَت فشردَت
وكم من فكرة لاحَت فراحَت