بل أستطيع مقال قيم للشيخ ناصر العمر - حفظه الله -
يقول أبن القيم :-
لو أن رجلاً وقف أمام جبل وعزم على إزالته ؛ لأزاله .
لقد توصلت - بعد سنوات من الدراسة والبحث والتأمل- إلى : أنه لا مستحيل في الحياة ؛ سوى أمرين فقط !!.
الأول : ما كانت استحالته كونية
( فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) (البقرة: من الآية258)
الثاني : ما كانت استحالته شرعية ؛ مما هو قطعي الدلالة ، والثبوت ،
فلا يمكن أن تجعل صلاة المغرب ركعتين ،
ولا أن يؤخر شهر الحج عن موعده ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات) (البقرة: من الآية197) ،
ولا أن يباح زواج الرجل من امرأة أبيه ( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً ) (النساء: من الآية22)
وما عدا هذين الأمرين وما يندرج تحتهما من فروع ؛ فليس بمستحيل .
قد تكون هناك استحالة نسبية لا كلية ، وهو ما يدخل تحت قاعدة عدم الاستطاعة فقد يعجز فرد عن أمرٍ ؛
ولكن يستطيعه آخرون، وقد لا يتحقق هدف في زمن ؛ ولكن يمكن تحقيقه في زمن آخر ،
وقد لا يتأتى إقامة مشروع في مكان ،
ويسهل في مكان ثان ، وهكذا .
إن الخطورة: تحويل الاستحالة الفردية ، والجزئية ، والنسبية ؛ إلى استحالة كلية شاملة عامة ..
إن
عدم الاستطاعة هو تعبير عن قدرة الفرد ذاته ، أما الاستحالة ؛ فهو وصف
للأمر المراد تحقيقه ، وقد حدث خلط كبير بينهما عند كثير من الناس ،
فأطلقوا الأول على الثاني .
إن من الخطأ أن نحول عجزنا الفردي إلى استحالة عامة ؛ تكون سبباً في تثبيط الآخرين ، ووأد قدراتهم ، وإمكاناتهم في مهدها .
إن أول عوامل النجاح ، وتحقيق الأهداف الكبرى
هو: التخلص من وهم ( لا أستطيع – مستحيل ) ،
وهو بعبارة أخرى: التخلص من العجز الذهني ، وقصور العقل الباطن، ووهن القوى العقلية .
إن
الأخذ بالأسباب الشرعية ، والمادية يجعل ما هو بعيد المنال حقيقة واقعة .
إن كثيراً مـن الـذين يكررون عبـارة : لا أستطيـع ، لا يشخصون حقيقة واقعـة
،يعذرون بها شرعاً وإنما هو انعكاس لهزيمـة داخلية للتخلص من المسئولية .
إن من الخطوات العملية لتحقيق الأهداف الكبرى
هو: الإيمان بالله ، وبما وهبك من إمكانات هائلة تستحق الشكر.
ومن شكرها : استثمارها ؛ لتحقيق تلك الأهداف التي خلقت من أجله .
أي عذر لإنسان ؛ وهبه الله جميع القوى التي تؤهله للزواج ، ثم هو يعرض عن ذلك دون مبرر شرعي ..
إن
هذا من كفر النعمة لا من شكرها ، وهو تعطيل لضرورة من الضرورات الخمس التي
أجمعت جميع الديانات السماوية على وجوب المحافظة عليها ،
وهو النسل . وحري ، بمن فعل ذلك أن تسلب منه هذه النعمة الكبرى ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم:7) .
وقل مثل ذلك : في كل نعمة ، وموهبة وهبها الله الإنسان .
إنني
لست بصدد بيان عوامل النجاح ، ومرتكزات القيادة ، والريادة ؛ ولكنني أحاول
أن أزيل هذا الوهم الذي سيطر على عقول كثير من رجال الأمة، وشبابها؛
فأوصلنا إلى الحالة التي سرّت العدو ، وأحزنت الصديق .
إن الأمة تمر بحالة تاريخية ذهبية من العودة إلى الله ، وتلمس طريق النجاة ، والنجاح ، والسعادة ، والرقي .
وإذا لم تستثمر تلك الإمكانات ، والطاقات الهائلة ، والأمة في حال إقبالها ؛ فإنه سيكون الأمر أشد وأعسر في حال فتورها .
إن من الأخطاء التي تحول بين الكثيرين ، وبين تحقيق أعظم الأهداف ، وأعلاها ثمناً تصور أنه لا يحقق ذلك إلا الأذكياء .
إن الدراسات أثبتت أن عدداً من عظماء التاريخ كانوا أناساً عاديين ، بل إن بعضهم قد يكون فشل في كثير من المجالات كالدراسة مثلاً .
لا
شك أن الأغبياء لا يصنعون التاريخ ؛ ولكن الذكاء أمر نسبي يختلف فيه الناس
ويتفاوتون ، وحكم الناس غالباً على الذكاء الظاهر ، بينما هناك قدرات خفية
خارقة لا
يراها الناس ؛بل قد لا يدركها صاحبها إلا صدفة ، أو عندما يصر على تحقيق
هدف ما ؛ فسرعان ما تتفجر تلك المواهب مخلفة وراءها أعظم الانتصارات ،
والأمجاد .
إن كل الناس يعيشون أحلام اليقظة ،
ولكن الفرق بين العظماء وغيرهم :
أن أولئك العظماء لديهم القدرة ، وقوة الإرادة والتصميم على تحويل تلك الأحلام إلى واقع ملموس ،
وحقيقة قائمة ، وإبراز ما في العقل الباطن إلى شيء يراه الناس ، ويتفيئون في ظلاله .
إن من أهم معوقات صناعة الحياة :
الخوف من الفشل ، وهذا بلاء يجب التخلص منه، حيث إن الفشل أمر طبيعي في حياة الأمم ، والقادة ،
فهل رأيت دولة خاضت حروبها دون أي هزيمة تذكر ؟! وهل رأيت قائداً لم يهزم في معركة قط ؟!
والشذوذ يؤكد القاعدة ، ويؤصلها ، ولا ينقضها.
إن من أعظم قادة الجيوش في تاريخ أمتنا – خالد بن الوليد – سيف الله المسلول ،
وقد خاض معارك هزم فيها في الجاهلية ، والإسلام ، ولم يمنعه ذلك من المضي قدماً في تحقيق أعظم الانتصارات ، وأروعها ..
ومن أعظم المخترعين في التاريخ الحديث ؛ مخترع الكهرباء ( أديسون ) وقد فشل في قرابة ألف محاولة ؛
حتى توصل إلى اختراعه العظيم ، الذي أكتب لكم هذه الكلمات في ضوء اختراعه الخالد ..
وقد ذكر أحد الكتاب الغربيين ؛ أنه لا يمكن أن يحقق المرء نجاحاً باهراً حتى يتخطى عقبات كبرى في حياته .
إن الذين يخافون من الفشل النسبي ، قد وقعوا في الفشل الكلي الذريع ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ) (التوبة: من الآية49)
(ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر)
إن البيئة شديدة التأثير على أفرادها ؛ حيث تصوغهم ولا يصوغونها
( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(الزخرف: من الآية23 )
ولذلك
فهي من أهم الركائز في التقدم ، أو التخلف ، والرجال الذين ملكوا ناصية
القيادة والريادة ؛لم يستسلموا للبيئة الفاسدة ولم تمنعهم من نقل تلك
البيئة إلى مجتمع يتسم بالمجد والرقي والتقدم ؛ ولذلك أصبح المجدد مجدداً ؛
لأنه جدد لأمته ما اندرس من دينها وتاريخها وقد ختمت النبوة بنبينا محمد -
-
فلم يبق إلا المجددون والمصلحون ؛ يخرجونها من الظلمات إلى النور فحري بك أن تكون أحد هؤلاء .
(إخواني أخواتي لنعتبر الفشل أول خطوات النجاح ، فكما إن مع العسر يسرا فإن مع الفشل نجاح)
دمتم دائما على طريق الخير والنجاح