حدث فى قاع البحر
قصة تحكى للعصافير بعد العشاء
محسن يونس
تحت سطح مياه البحر كانت السمكة الكبيرة تعانى فراغا ، أشعرها بالضيق والزهق .
صاحت : أريد أن أفعل شيئا ... أما من شىء أفعله ؟!
وها هى تضرب بزعانفها فى كل اتجاه ، مرة إلى أعلى ، ومرة إلى أسفل ، يمينا، ويسارا ، ولا شىء إلا المياه المياه .
السمكة الكبيرة توقفت أخيرا ، حينما رأت إحدى الأسماك الصغيرة منشغلة فى بناء بيت لها من الطين عند قاع البحر ، كانت السمكة الصغيرة قد وضعت اللمسات الأخيرة ، وتراجعت لتتأمل ما صنعت .
هللت فرحة ، وهى تقول : هووه ! ما أجمل ما فعلت .. هذا هو بيتى الجميل .
السمكة الصغيرة لم تنتبه إلى هذا الإعصار المقبل نحوها ، إلا أنها وجدت نفسها تتقلب فى دوامات هائلة ، صنعها ذيل السمكة الكبيرة بتعمد وإصرار ظاهرين .
كانت السمكة الكبيرة قد وجدت – أخيرا – شيئا تفعله !!
كانت قد حددت هدفها ، وتلوثت المياه بلون الطين ، والذيل الضخم يضرب حوائط البيت الجميل ، فيهدمها ، ولم تهدأ السمكة إلا بعد فترة .
والآن انظروا ..
لم يعد هنا أثر لأى بيت ، كأنه لم يكن هنا بيت ، وانهمرت الدموع من عينى السمكة الصغيرة ، وهى تقول متألمة : لماذا؟! لماذا ؟! هل أخطأت فى حقك أيتها السمكة ؟
ضحكت السمكة الكبيرة ، وهى تقول : إنه مزاجى .. أشعر الآن بتحسن بعد أن هدمت بيتك ... ها .. ها .. ها .
أى تبرير هذا ؟!
هل الأفعال مجانية هكذا ؟!
هل إذا أردت أن تفعلى شيئا فعلته دون حساب ضرر الآخرين؟!
تلقت السمكة الصغيرة ضربة من الذيل الضخم ، وهى تسمع صراخا : لا أريد فلسفة .. هل تفهمين ؟ أنا كبيرة .. هل أنت عمياء ؟ .. انظرى لحجمى ..
تأملت السمكة الصغيرة السمكة الكبيرة ، وقالت : أراك كبيرة حقا .. لكن الكبير بأفعاله لا بحجمه .
كانت السمكة الكبيرة تستعد لتؤدب السمكة الصغيرة ، لأن ملاحظتها – من وجهة نظرها – قد تعدت بها حدود الأدب فى حضرة الكبار ، وغى هذه اللحظة جاءت من المياه سمكة أكبر حجما من السمكة الكبيرة بكثير ، وقبل أن تستدير السمكة الكبيرة هاربة من مواجهتها انقضت السمكة الأكبر ، فى مناورة ماكرة ، فاتحة فمها الواسع المرعب ، غابت فيه السمكة الكبيرة فى لمحة ، ذاهبة إلى مصير ليس فيه جبروت، أو ظلم .